الإسلام والفتن المعاصرة

نتشرف بتسجيلكم معنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الإسلام والفتن المعاصرة

نتشرف بتسجيلكم معنا

الإسلام والفتن المعاصرة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الإسلام والفتن المعاصرة

أهلاً وسهلاً بك زائرنا الكريم .. نتشرف بزيارتك وبالتسجيل معنا ..


    آداب الطعام

    avatar
    أبوحذيفة
    المدير العام


    عدد المساهمات : 94
    تاريخ التسجيل : 18/03/2010

    آداب الطعام Empty آداب الطعام

    مُساهمة من طرف أبوحذيفة الأربعاء أبريل 28, 2010 5:16 am

    الإسلام نظم حياة المسلمين عامة، بما في ذلك الغذاء حيث جعل له آدابًا عديدة منها:

    1- الغذاء عبادة:
    بما أن الأكل والشرب محبوب للنفس ومرغوب فيه، فإن المسلم يستطيع أن يجعله عبادة يثاب عليها كما يثاب على الصلاة وغيرها من العبادات، وذلك بأمرين:
    (أ) إذا صحت نيته، فأكل أو شرب وهو ينوي بأكله وشربه التَّقَوِّي على طاعة الله، كالجهاد والصلاة وغيرها من العبادات؛ لعموم قوله : «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»( ).
    (ب) أن يتحرى فيه السنة، فيحرص على الآداب التي صحت بها النصوص الشرعية، والتي نتحدث عنها في بحثنا هذا، وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله  قال: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها»( ).

    2- غسل اليد:
    من الآداب التي مصلحتها ظاهرة غسل اليدين قبل الطعام وبعده ولو لم يكن في ذلك أدلة صريحة لكانت قواعد الإسلام العامة تشمل هذا الأدب، وبخاصة إذا كانت اليد متلوثة من جرَّاء عمل أو غيره؛ لما يترتب على ذلك من الأضرار المعلومة طبيًّا، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله  كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه( ).
    وهذا الحديث يغني عن الحديث الضعيف: «بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده»( )، وهذا في غسل اليدين قبل الطعام. وأما غسل اليدين بعد الطعام فسيأتي الحديث عنه.

    3 - الاعتدال في الجلوس:
    لقد نظم الإسلام طريقة الجلوس للأكل، فكان  يرشد أصحابه إلى الاقتداء به في هيئة جلوسه للأكل، فيقول: «إني لا آكل متكئًا»، وفي لفظ: «لا آكل وأنا متكئ»( ).
    قال ابن القيم( ): (وقد فُسر الاتكاء بالتربع( )، وفُسر بالاتكاء على الشيء وهو الاعتماد عليه، وفسر بالاتكاء على الجنب( )، والأنواع الثلاثة من الاتكاء، فنوع منها يضر بالآكل، وهو: الاتكاء على الجنب، فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي عن هيئته ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة، ويضغط على المعدة فلا يستحكم فتحها للغذاء، وأيضًا فإنها تميل ولا تبقى منتصبة، فلا يصل الغذاء إليها بسهولة، وأما النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية). اهـ
    وأما الجلسة التي ينبغي للآكل اعتمادها فلم يرد دليل يحددها، فبإمكان الآكل اختيار أي جلسة أحب إذا اجتنب الاتكاء.
    وقد كان النبي  يأكل أحيانًا وهو مُقعٍ( )، وأحيانًا وهو جاثٍ( ) على ركبتيه.
    فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رأيت النبي  مقعيًا يأكل تمرًا( ).
    وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال: أهديت للنبي  شاة، فجثا رسول الله  على ركبتيه يأكل، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة ؟ فقال رسول الله : «إن الله جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا»( ).
    ويقول ابن القيم: (ويذكر عنه  أنه كان يجلس للأكل متوركًا على ركبتيه، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعًا لربه عز وجل، وأدبًا بين يديه، واحترامًا للطعام وللمؤاكل، فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها؛ لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله سبحانه عليه، مع ما فيها من الهيئة الأدبية، وأجود ما اغتذى الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعي، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبًا الانتصاب الطبيعي. وأردأ الجلسات للأكل الاتكاء على الجنب؛ لما تقدم من أن المريء وأعضاء الازدراء تضيق عند هذه الهيئة، والمعدة لا تبقى على وضعها الطبيعي؛ لأنها تنعصر مما يلي البطن بالأرض، وما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بني آلات الغذاء وآلات التنفس.
    وإن كان المراد بالاتكاء: الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس، فيكون المعنى: إني إذا أكلت لم أقعد متكئًا على الأوطية والوسائد كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطعام، لكني آكل بُلغة كما يأكل العبد)( ).
    4- التسمية في أول الطعام:
    ومن آداب الطعام في الإسلام: ذكر اسم الله في أول الطعام، فبالتسمية تنزل البركة في الطعام، وتكون التسمية حاجزًا بين الشيطان وبين الطعام.
    ففي الصحيحين عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله : «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك ، وكل مما يليك»( )، فما زالت تلك طعمتي بعد.
    وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا إذا حضرنا مع النبي  طعامًا لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله  فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعامًا، فجاءت جارية كأنها تُدفع( )، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله  بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذ بيده، فقال رسول الله : «إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يُذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده، إن يده في يدي مع يدها»( ). زاد في رواية: «ثم ذكر اسم الله وأكل»( ).
    وفي صحيح مسلم أيضًا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله  يقول: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان( ): لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء»( ).
    وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي  يأكل طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال رسول الله : «أما إنه لو سمى كفاكم»( ).
    وأخرج الترمذي كذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : «إذا أكل أحدكم طعامًا فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره»(6).

    5- الأكل والشرب باليمين:
    لقد ورد في بعض نصوص الشرع الأمر بالأكل والشرب باليمين، والنهي عن الأكل والشرب بالشمال ومن ذلك:
    ما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن رسول الله  قال: «لا تأكلوا بالشمال؛ فإن الشيطان يأكل بالشمال».
    وأخرج مسلم أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله  قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله».
    وأخرج أيضًا عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلاً أكل عند رسول الله  بشماله فقال: «كل بيمينك»، قال: لا أستطيع، قال: «لا استطعت»، ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه( ).
    وتقدم قوله  لعمر بن أبي سلمة: «سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك».
    وفي أمر الرسول  بالأكل والشرب باليمين ونهيه عن الأكل والشرب بالشمال دليل على عناية الإسلام بجانب النظافة والوقاية، وهذا ظاهر لمن تأمله، وليس هذا في الأكل فقط، بل دلت نصوص الشرع على ضرورة تخصيص اليمين للأشياء المستطابة - ومنها الأكل والشرب- وتجنيبها الأشياء المستقبحة كالاستنجاء. ومن ذلك حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم - وسبق ذكره - أنه قال: لقد نهانا - يعني النبي  - أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين...، الحديث.
    وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، عن النبي  قال: «إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفس في الإناء».
    وفي رواية: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء»( ).
    وأخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت يد رسول الله  اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى.
    وأخرج أبو داود أيضًا عن حفصة رضي الله عنها أن رسول الله  كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك( ).
    وفي هذا المعنى حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (إن كان رسول الله  ليحب التيمن في طهوره إذا تطهّر، وفي ترجُّله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل).
    وفي رواية: (كان رسول الله  يحب التيمن في شأنه كله، في نعليه، وترجله، وطهوره)( ).
    قال النووي رحمه الله: (هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي: أن ما كان من باب التكريم والتشريف؛ كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر - وهو مَشْطُه - ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام في الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو في معناه، يستحب التيامن فيه.
    وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك، فيستحب التياسر يه، وذلك كله بكرامة اليمين وشرفها)( ).اهـ.
    6- الأكل بثلاث أصابع:
    أخرج مسلم في صححيه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله : «كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاثة»( ).
    وهذا يدل على أنه يأكل بثلاث أصابع، ويؤكده حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الذي أخرجه مسلم أيضًا قال: «كان رسول الله يأكل بثلاث أصابع»(3).
    قال ابن القيم رحمه الله: (وكان يأكل بأصابعه الثلاث، وهكذا أنفع ما يكون من الأكل، فإن الأكل بأصبع أو أصبعين لا يستلذ به الآكل، ولا يُمريه، ولا يشبعه إلا بعد طول، ولا تفرح آلات الطعام والمعدة بما ينالها في أكل أكلة فتأخذها على إغماض، كما يأخذ الرجل حقه حبة أو حبتين، أو نحو ذلك فلا يلتذ بأخذه، ولا يسر به، والكل بالخمسة والراحة يوجب ازدحام الطعام على آلاته وعلى المدة، وربما انسدت الآلات فمات، وتغصب الآلات على دفعه، والمعدة على احتماله، ولا يجد له لذة ولا استمراء، فأنفع الأكل أكله ، وأكل من اقتدى به بالأصابع الثلاث)( ).اهـ.
    7- الأكل مما يليه:
    والمقصود به كراهة جولان يده في الإناء إذا كان معه غيره، وكان الطعام واحدًا، أما إذا كان وحده فلا بأس، أو كان الطعام متنوعًا فلا بأس، لأن نفوس الناس تتقذر من جولان اليد بهذه الصفة، وهو دليل الشراهة في الأكل وسوء العشرة، ودليل الكراهة ما تقدم من حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما وهو مخرج في الصحيحين أنه قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله ، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله : «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، وانظر المبحث الآتي ففيه مزيد بيان.

    8- الأكل من جانب الإناء وترك الابتداء بالسوط:
    وههنا حكمة مذكورة في نفس الدليل، وهي نزول البركة، وهذه مسألة غيبية.
    فقد أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي  قال: «إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن ليأكل من أسلفها؛ فإن البركة تنزل من أعلاها».
    وفي رواية «البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه»( ).
    وفي حديث عبد الله بن بُسر رضي الله عنه قال: كان لرسول الله  قصعة يقال لها: الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أضحوا وسجدوا الضحى أُتي بتلك القصعة - يعني وقد ثُرد فيها - فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله ، فقال أعرابي: ما هذه الجلسة ؟ فقال النبي : «إن الله جعلني عبدًا كريمًا، ولم يجعلني جبارًا عنيدًا»، ثم قال رسول الله : «كلوا من حواليها، ودعوا ذروتها يبارك فيها»( ).
    قال الخطابي رحمة الله: (قد ذكر في هذا الحديث أن النهي إنما كان عن ذلك من أجل أن البركة إنما تنزل من أعلاها، وقد يحتمل أيضًا وجهًا آخر، وهو: أن يكون النهي إنما وقع عنه إذا أكل مع غيره، وذلك أن وجه الطعام هو أطيبه وأفضله، فإذا قصده بالأكل كان مستأثرًا به على أصحابه، وفيه من ترك الأدب وسوء العشرة ما لا خفاء به، فأما إذا أكل وحده فلا بأس به)( ).اهـ.
    9- عدم الشبع:
    تقدم أن الله سبحانه أباح لنا الكل من الطيبات، وأنه سبحانه مع ذلك قال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، وفي آية أخرى قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( )، ففي هاتين الآيتين إرشاد منه سبحانه إلى الأكل الذي به قوام الجسد والاعتدال فيه منعًا من الضرر المترتب على الشبع، حتى قال بعضهم: جمع الله الطب كله في هذه الآية.
    وفي الصحيحين أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخل عليه نافع مولاه رجلاً يأكل معه، فأكل كثيرًا، فقال: يا نافع، لا تدخل هذا علي، سمعت رسول الله  يقول: «المسلم يأكل في مِعًى واحد، والكافر - أو المنافق - يأكل في سبعة أمعاء»( ).
    وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»( ).
    وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة»( ).
    وجاء عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: تجشأت عند النبي  فقال: «ما أكلت يا أبا جحيفة ؟» فقلت: خبزًا ولحمًا، فقال: «إن أطول الناس جوعًا يوم القيامة أكثرهم شبعًا في الدنيا»( ).
    فإذا كان المسلمون ملتزمين بهذا الأدب، صدق عليهم أنهم أمة لا تمرض؛ لأنهم لا يأكلوا حتى يجوعوا، وإذا أكلوا لا يشبعوا، وتقدم في كلام ابن القيم الذي سبق نقله في المقدمة ذكر بعض مضار الشبع بما يغني عن إعادته هنا.
    10- لعق الأصابع:
    دلت النصوص الشرعية على سنية لعق الأصابع، سواء من قبل الآكل نفسه أو غيره وذلك قبل غسلها أو محسها بالمنديل، إذ لعل البركة تكون فيها، وهذه أيضًا مسألة غيبية، وقد تكون هناك حكمة لا ندركها، وقد سمعنا أن اليد تفرز إفرازات تساعد على هضم الطعام ، فإن صح هذا فهو من الإعجاز العلمي الذي يعنى بتتبعه بعض الباحثين، ولكن هذا لا يؤثر - سواء ثبت أم لا - على اعتبار هذا الفعل سنة يثاب عليها المسلم إذا كان ممتثلاً لقول النبي  ومتأسيًا بفعله.
    ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يَلعَقَها أو يُلعقَها»( ).
    وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي  أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنكم لا تدرون في أية البركة».
    وفي رواية: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي طعامه البركة»( ).
    وتقدم في مبحث الكل بثلاث أصابع قول أنس -فيما رواه مسلم - إن رسول الله  : «كان إذا أكل طعامًا يلعق أصابعه الثلاث».
    وقد جاء الحث على لعقها أيضًا من حديث كعب بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهما ( ).
    11- الحمد في آخر الطعام:
    تقدم في مبحث «الغذاء عبادة» أن مسلمًا أخرج في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله  قال: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها»، وقد وردت عدة صيغ للحمد في آخر الطعام.
    فأخرج البخاري في صحيحه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي  كان إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفي ولا مودعٍ، ولا مستغني عنه ربنا».
    وفي رواية: «الحمد لله الذي كفانا وأروانا، غير مكفي ولا مكفور».
    و في رواية: «لك الحمد ربنا، غير مكفي ولا مودع ولا مستغني ربنا»( ).
    والمكفي قيل: هو المقلوب، وقال الخطابي: (غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغني عنه، معناه: أن الله سبحانه هو المطعم والكافي، وهو غير مُطْعَمٍ ولا مُكْفًى، قال الله تعالى: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ( )، وقوله: «ولا مودَّع»، أي غير متروك الطلب إليه والرغبة فيما عنده، ومنه قوله تعالى: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ( ) أي: ما تركك، ومعنى المتروك: المستغنى عنه: «ولا مكفور» لا نكفر نعمتك علينا بهذا الطعام)( ).
    قال ابن الأثير ( ): (فعلى هذا التفسير الثاني يحتاج أن يكون قوله: «ربنا» مرفوعًا، أي: ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه.
    وعلى التفسير الأول يكون «ربنا» منصوبًا على النداء المضاف، وحرف النداء محذوف أي: يا ربنا.
    ويجوز أن يكون الكلام راجعًا إلى الحمد، كأنه قال: حمدًا كثيرًا مباركًا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه، أي: عن الحمد، ويكون «ربنا» منصوبًا أيضًا كما سبق). اهـ
    وأخرج أبو داود والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله  قال: «من أكل طعامًا ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه»( ).
    وأخرجا أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله  إذا فرغ من طعامه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين»( ).
    وأخرج أبو داود عن أبي أيوب الأنصاري قال: كان رسول الله  إذا أكل أو شرب قال: «الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجًا»( ).
    12- الدعاء لصاحب الطعام:
    من مكارم الأخلاق التي كانت عند العرب قبل الإسلام: إكرام الضيف، ثم جاء الإسلام فأقر هذا الخلق الحميد وحث عليه، وفي المقابل ومن باب الإثابة على المعروف وتقديره جاءت بعض النصوص التي ترشد إلى ما ينبغي للطعام فعله إذا طعم عند أحد.
    ففي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنهما قال: «نزل رسول الله  على أبي، قال: فقربنا إليه طعامًا ووطبةً ( ) فأكل منها ثم أُتي بتمر، فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، ثم أتي بشراب فشربه، ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فقال أبي - وأخذ بلجام دابته( )- ادع الله لنا، فقال: اللهم بارك لهم في ما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم»( ).
    وفي سنن أبي داود من حديث أنس رضي الله عنه ، أن النبي  جاء إلى سعد بن عبادة فجاء( ) بخبز وزيت، فأكل( )، ثم قال النبي : «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة»( ).
    13- غسل اليد والفم بعد الطعام:
    تقدم الكلام عن غسل اليد قبل الطعام ، وذكرت هناك أنه لو لم يكن هناك أدلة صريحة في مشروعية غسل اليد قبل الطعام، لكانت قواعد الإسلام العامة تشمل ذلك الأدب، وبخاصة إذا كانت اليد متلوثة، لما يترتب على ذلك من الأضرار.
    ويقال هنا ما قيل هناك، وتأكد هذا إذا علمنا أن الإسلام يحث على النظافة كما يظهر لمن تأمل كثيرًا من الأحكام كالوضوء، والغسل من الجنابة، وغسل الجمعة، والسواك، وغير ذلك كثير.
    ومع ذلك فقد ورد حديث صحيح في الحث على غسل اليد بعد الفراغ من الأكل، وهو ما أخرجه أبو داود في سننه والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي  أنه قال: «إذا نام أحدكم وفي يده ريح غمر فلم يغسل يده فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه»( ).
    الغَمَر - بفتح الغين والميم -: ريح اللحم وزهومته( )، ففي الحديث دلالة على ضرورة غسل اليد بعد الطعام، وبخاصة إذا كانت له دسامة.
    ويؤيده ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي  شرب لبنًا، ثم دعا بماء فتمضمض وقال: «إن له دسمًا»( ).
    وهنك بعض الآداب التي تتعلق بالشرب وهي:
    1- النهي عن الشرب قائمًا:
    لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي  نهى عن اشرب قائمًا ( ).
    ورواه مسلم أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه( ).
    قال ابن القيم: (وللشرب قائمًا آفات عديدة، منها: أنه لا يحصل به الري التام، ولا يستقر في المعدة حتى يقسمه الكبد على الأعضاء، وينزل بسرعة وحدَّةٍ إلى المعدة، فيخشى منه أن يبرد حرارتها ويشوشها، ويسرع النفوذ إلى أسفل البدن بغير تدريج، وكل هذا يضر بالشارب، وأما إذا فعله نادرًا أو لحاجة لم يضره)( ). اهـ.
    ومع هذا فلا يعتبر الشرب قائما محرمًا، وإنما مكروه كراهة تنزيه، فمع كونه  نهى عن الشرب قائمًا، إلا أنه شرب قائمًا ليبين أن النهي ليس للتحريم ولكن العلماء كرهوا الشرب قائمًا لغير حاجة كما سبق في كلام ابن القيم.
    وأما الدليل على أنه  شرب قائمًا، فمنه ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سقيت النبي  من زمزم، فشرب وهو قائم)( ).
    وأخرج البخاري في صحيحه عن النزال بن سبرة أنه حدث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ثم أتى بماء فشرب وغسل وجهه ويديه - وذكر رأسه ورجليه ثم قام فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا، وإن النبي  صنع مثل ما صنعت( ).
    2- النهي عن الشرب من فيِّ السقاء:
    وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله  عن اختناث الأسقية: أن يُشرب من أفواهها»( ).
    وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي : «نهى عن الشرب من في السقاء»( ).
    قال ابن القيم رحمه الله: ( وفي هذا آداب عديدة، منها: أن تردد أنفاس الشارب فيه يكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها، ومنها أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء فتضرر به، ومنها أنه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به، فيؤذيه، ومنها أن الماء ربما كان فيه قذاة أو غيرها لا يراها عند الشرب فتلج جوفه، ومنها أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء، فيضيق عن أخذ حظه من الماء أو يزاحمه أو يؤذيه ولغير ذلك من الحكم)( ).اهـ.
    3- النهي عن النفخ في الشراب أو التنفس في الإناء:
    وذلك لما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء».
    وفي رواية: إن النبي  نهى أن يتنفس في الإناء( ).
    وأخرج أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي  نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه( ).
    وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي  نهى عن النفخ في الشرب، فقال رجل: القذاة أراها في الإناء؟ قال: أهرقها، قال: فإني لا أروى من نفس واحد ؟ قال: فأبن القدح عن فيك( ).
    فمحاورة هذا الرجل للنبي  فيها من الفوائد: الإرشاد إلى ما ينبغي فعله إذا دعا الداعي إلى النفخ في الشراب، أو التنفس في الإناء.
    فإذا وقع في الشراب ما يتأذى منه الشارب، فليرق من الشراب ما يخرج به ذلك الأذى، فإن اضطر للتنفس فليبعد القدح عن فمه وليتنفس خارج الإناء.
    وقد كان النبي  يفعل ذلك.
    ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي  كان يتنفس في الإناء ثلاثًا.
    ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي  كان يتنفس في الإناء ثلاثًا.
    زاد مسلم في رواية: ويقول - أي النبي -: «إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ»( ).
    أي: إنه أكثر ريًّا، وأبرأ من ألم العطش، أو مرض يحصل بسبب الشرب في نفس واحد، وأجمل انسياغًا، وهو معنى: «وأمرأ»( ).
    وليس المقصود في هذه الرواية أن النبي  كان يتنفس داخل الإناء، بل المقصود أنه يتنفس في شربه، وهذا سائغ في لغة العرب.
    يقول ابن القيم رحمه الله في نفي هذا الفهم، وفي ذكر مضار النفخ في الشراب والتنفس في الإناء: (وأما النفخ في الشراب فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة يعاف لأجلها ولا سيما إن كان متغير الفم، وبالجملة فأنفاس النافخ تخالطه ولهذا جمع رسول الله  بين النهي عن التنفس في الإناء والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله  أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه.
    فإن قيل: فما تصنعون بما في الصحيحين من حديث أنس، أن رسول الله  كان يتنفس في الإناء ثلاثًا ؟ قيل: نقابله بالقبول والتسليم، ولا معارضة بينه وبين الأول؛ فإن معناه أنه كان يتنفس في شربه ثلاثًا، وذكر الإناء لأنه آلة الشرب، وهذا كما جاء في الحديث الصحيح: أن إبراهيم ابن رسول الله  مات في الثدي( ) أي: في مدة الرضاع)( ). اهـ.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 16, 2024 8:09 pm